فصل: فَصْلٌ: ما يَرْجِعُ إلَى النَّبَاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: ما يَرْجِعُ إلَى النَّبَاتِ:

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى النَّبَاتِ، فَكُلُّ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً وَهُوَ رَطْبٌ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ نَبَاتَ الْحَرَمِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً.
فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً إذَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ رَطْبٌ فَهُوَ مَحْظُورُ الْقَطْعِ وَالْقَلْعِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ جَمِيعًا نَحْوُ الْحَشِيشِ الرَّطْبِ وَالشَّجَرِ الرَّطْبِ إلَّا مَا فِيهِ ضَرُورَةٌ وَهُوَ الْإِذْخِرُ فَإِنْ قَلَعَهُ إنْسَانٌ أَوْ قَطَعَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ الْحَرَمَ آمِنًا مُطْلَقًا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ إلَّا مَا قُيِّدَ بِدَلِيلٍ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا» نَهَى عَنْ اخْتِلَاءِ كُلِّ خَلًى وَعَضُدِ كُلِّ شَجَرٍ فَيُجْرَى عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ وَهُوَ الْإِذْخِرُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَاقَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَتَاعٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ لِحَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلَّا الْإِذْخِرَ»، وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حَاجَةُ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى ذَلِكَ فِي حَيَاتهمْ وَمَمَاتِهِمْ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ اخْتِلَاءِ خَلَى مَكَّةَ عَامًا فَكَيْفَ اسْتَثْنَى الْإِذْخِرَ بِاسْتِثْنَاءِ الْعَبَّاسِ؟ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي قَلْبِهِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا أَنَّ الْعَبَّاسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَبَقَهُ بِهِ فَأَظْهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِسَانِهِ مَا كَانَ فِي قَلْبِهِ، وَالثَّانِي: يُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِتَحْرِيمِ كُلِّ خَلَى مَكَّةَ إلَّا مَا يَسْتَثْنِيهِ الْعَبَّاسُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ، وَيُحْتَمَلُ وَجْهًا ثَالِثًا: وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّ الْقَضِيَّةَ بِتَحْرِيمِ كُلِّ خَلًى فَسَأَلَهُ الْعَبَّاسُ الرُّخْصَةَ فِي الْإِذْخِرِ لِحَاجَةِ أَهْلِ مَكَّةَ تَرْفِيهًا بِهِمْ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالرُّخْصَةِ فِي الْإِذْخِرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْتِحَاقِهِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ ذِكْرًا، وَهَذَا مُنْفَصِلٌ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ، وَبَعْدَ سُؤَالِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ: إلَّا الْإِذْخِرَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْحَقُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ صِيغَتُهُ صِيغَةَ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ هُوَ إمَّا تَخْصِيصٌ، وَالتَّخْصِيصُ الْمُتَرَاخِي عَنْ الْعَامِّ جَائِزٌ عِنْدَ مَشَايِخِنَا وَهُوَ النَّسْخُ وَالنَّسْخُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاعْتِقَادِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَإِنَّمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُحْرِمُ وَالْحَلَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي النُّصُوصِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْأَمْنِ؛ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ لِأَجْلِ الْحَرَمِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُحْرِمُ وَالْحَلَالُ، وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَسَبِيلُهَا سَبِيلُ جَزَاءِ صَيْدِ الْحَرَمِ أَنَّهُ إنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا هَدْيًا إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالطَّحَاوِيِّ فَيَذْبَحُ فِي الْحَرَمِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّوْمُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ عَلَى مَا مَرَّ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ.
وَإِذَا أَدَّى قِيمَتَهُ يُكْرَهُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْقُلُوعِ وَالْمَقْطُوعِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ يُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ نَبَاتِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَقْلَعُ وَيَقْطَعُ وَيُؤَدِّي قِيمَتَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الصَّيْدِ، فَإِنْ بَاعَهُ يَجُوزُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَبِيعٍ حَصَلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَلَا بَأْسَ بِقَلْعِ الشَّجَرِ الْيَابِسِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ.
وَكَذَا الْحَشِيشُ الْيَابِسُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَخَرَجَ عَنْ حَدِّ النُّمُوِّ، وَلَا يَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا بَأْسَ بِالرَّعْيِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الْهَدَايَا تُحْمَلُ إلَى الْحَرَمِ وَلَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا مِنْ الرَّعْيِ، فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ، وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ مِنْ التَّعَرُّضِ لِحَشِيشِ الْحَرَمِ اسْتَوَى فِيهِ التَّعَرُّضُ بِنَفْسِهِ وَبِإِرْسَالِ الْبَهِيمَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ مُضَافٌ إلَيْهِ كَمَا فِي الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِصَيْدِهِ اسْتَوَى فِيهِ اصْطِيَادُهُ بِنَفْسِهِ.
وَبِإِرْسَالِ الْكَلْبِ كَذَا هَذَا.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً مِنْ الزُّرُوعِ وَالْأَشْجَارِ الَّتِي يُنْبِتُونَهَا فَلَا بَأْسَ بِقَطْعِهِ وَقَلْعِهِ؛ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ النَّاسَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا يَزْرَعُونَ فِي الْحَرَمِ وَيَحْصُدُونَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ وَكَذَا مَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ أَحَدٌ، مِثْلُ شَجَرَةِ أُمِّ غَيْلَانَ وَشَجَرِ الْأَرَاكِ وَنَحْوُهُمَا، فَلَا بَأْسَ بِقَطْعِهِ، وَإِذَا قَطَعَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَجْلِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْإِنْبَاتِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَصَارَ كَاَلَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً، شَجَرَةٌ أَصْلُهَا فِي الْحَرَمِ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحِلِّ فَهِيَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا فِي الْحِلِّ وَأَغْصَانُهَا فِي الْحَرَمِ فَهِيَ مِنْ شَجَرِ الْحِلِّ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَصْلِ لَا إلَى الْأَغْصَانِ لِأَنَّ الْأَغْصَانَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَوْضِعُ الْأَصْلِ لَا التَّابِعَ.
وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ وَالْبَعْضُ فِي الْحِلِّ فَهِيَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ فَيُرَجَّحُ الْحَاظِرُ احْتِيَاطًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ مَوْضِعُ قَوَائِمِ الطَّيْرِ إذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا بِهِ، فَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ عَلَى غُصْنٍ هُوَ فِي الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الشَّجَرِ فِي الْحِلِّ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غُصْنٍ هُوَ فِي الْحِلِّ فَلَا بَأْسَ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ يُنْظَرُ إلَى مَكَانِ قَوَائِمِ الصَّيْدِ لَا إلَى أَصْلِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الصَّيْدِ بِقَوَائِمِهِ حَتَّى لَوْ رَمَى صَيْدًا قَوَائِمُهُ فِي الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ أَنْ يَقْتُلَهُ.
وَلَوْ رَمَى صَيْدًا قَوَائِمُهُ فِي الْحِلِّ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ، وَلَا بَأْسَ لِلْحَلَالِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ وَبَعْضُهَا فِي الْحِلِّ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا هَذَا إذَا كَانَ قَائِمًا.
فَأَمَّا إذَا نَامَ فَجَعَلَ قَوَائِمَهُ فِي الْحِلِّ وَرَأْسَهُ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْقَوَائِمَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا بِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بِقَوَائِمِهِ بَلْ هُوَ كَالْمُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ، وَإِذَا بَطَلَ اعْتِبَارُ الْقَوَائِمِ فَاجْتَمَعَ فِيهِ الْحَاظِرُ وَالْمُبِيحُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْحَاظِرِ احْتِيَاطًا، وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ كَمْأَةَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْكَمْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ النَّبَاتِ بَلْ هِيَ مِنْ وَدَائِعِ الْأَرْضِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَتُرَابِهِ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُخْرِجُونَ الْقُدُورَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِهْلَاكُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَرَمِ، فَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ إلَى الْحِلِّ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَرَاهَةُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَ الْحَرَمِ آمِنًا؛ وَلِأَنَّ الْحَرَمَ لَمَّا أَفَادَ الْأَمْنَ لِغَيْرِهِ فَلَأَنْ يُفِيدَ لِنَفْسِهِ أَوْلَى.
ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ اجْتِنَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا إذَا فَعَلَ إذَا كَانَ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ.
فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَا يَجِبُ وَلَا يَثْبُتُ حَتَّى لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ، وَالْحَرَمُ يُثْبِتُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يُجَنِّبَهُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ تَأَدُّبًا وَتَعَوُّدًا كَمَا يَأْمُرُهُ بِالصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِنَابُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الصَّوْمُ يَصُومُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الْفِدْيَةُ أَوْ الْإِطْعَامُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ فَعَلَ فِي حَالِ الرِّقِّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ.
وَكَذَا لَوْ فَعَلَ عَنْهُ مَوْلَاهُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ.
وَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ فُصُولِ الْإِحْرَامِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ فَلْنَرْجِعْ إلَى مَا كُنَّا فِيهِ، وَهُوَ بَيَانُ شَرَائِطِ الْأَرْكَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةً مِنْهَا فَمِنْهَا: الْإِسْلَامُ وَمِنْهَا: الْعَقْلُ وَمِنْهَا: النِّيَّةُ وَمِنْهَا: الْإِحْرَامُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِجَمِيعِ فُصُولِهِ وَعَلَائِقِهِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ وَمِنْهَا:.
الْوَقْتُ فَلَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلَا طَوَافُ الزِّيَارَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وَالْعِبَادَاتُ الْمُؤَقَّتَةُ لَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا قَبْلَ أَوْقَاتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.
وَكَذَا إذَا فَاتَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ عَنْ وَقْتِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ فِي يَوْمٍ آخَرَ، وَيَفُوتُ الْحَجُّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إلَّا لِضَرُورَةِ الِاشْتِبَاهِ اسْتِحْسَانًا بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفُوا ثُمَّ تُبُيِّنَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا طَوَافُ الزِّيَارَةِ إذَا فَاتَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا لَكِنْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا مَرَّ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِثْلُ الشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَيَنْبَنِي أَيْضًا عَلَى مَعْرِفَةِ أَشْهُرِ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهَا إذَا أَمِنَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ حَالَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ مَعَ.
قُدْرَتِهِ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْعِبَادَاتِ فِي الشَّرْعِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ:.
مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ: كَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعُشُورِ.
وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ: كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِهَادِ.
وَمُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ: كَالْحَجِّ، فَالْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ تَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا إخْرَاجُ الْمَالِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ، وَالْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ لَا تَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى} إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» أَيْ: فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ لَا فِي حَقِّ الثَّوَابِ، فَإِنَّ مَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ أَوْ الْأَحْيَاءِ جَازَ وَيَصِلُ ثَوَابُهَا إلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ نَفْسِهِ، وَالْآخَرُ: عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ آمَنَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِرِسَالَتِهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ: «أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ أُمِّي كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَصَدَّقْ» وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا وَالتَّكْفِينِ وَالصَّدَقَاتِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَجَعْلِ ثَوَابِهَا لِلْأَمْوَاتِ، وَلَا امْتِنَاعَ فِي الْعَقْلِ أَيْضًا لِأَنَّ إعْطَاءَ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إفْضَالٌ مِنْهُ لَا اسْتِحْقَاقٌ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَى مَنْ عَمِلَ لِأَجْلِهِ بِجَعْلِ الثَّوَابِ لَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِإِعْطَاءِ الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ رَأْسًا.
وَأَمَّا الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْبَدَنِ وَالْمَالِ- وَهِيَ الْحَجُّ- فَلَا يَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَيَجُوزُ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي جَوَازِ.
النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ النِّيَابَةِ فِيهِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِ النِّيَابَةِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَصِيرُ النَّائِبُ بِهِ مُخَالِفًا وَبَيَانِ حُكْمِهِ إذَا خَالَفَ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ: «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ مِنْ بَنِي خَثْعَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي، وَإِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَيُجْزِينِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ فَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجِّي عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرِي، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَهَا: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَمَا كَانَ يُقْبَلُ مِنْك؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَدَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى أَحَقُّ»، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُمَا وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِتَنَافٍ بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا فَنَعْتَبِرُهُمَا فِي حَالَيْنِ، فَنَقُولُ لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ اعْتِبَارًا لِلْبَدَنِ، وَتَجُوزُ عِنْدَ الْعَجْزِ اعْتِبَارًا لِلْمَالِ عَمَلًا بِالْمَعْنَيَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ.
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ النِّيَابَةِ فِيهِ، فَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ، وَإِنَّمَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَمَالِيَّةٌ وَالْبَدَنُ لِلْحَاجِّ، وَالْمَالُ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَمَا كَانَ مِنْ الْبَدَنِ لِصَاحِبِ الْبَدَنِ، وَمَا كَانَ بِسَبَبِ الْمَالِ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ ارْتَكَبَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَكَفَّارَتُهُ فِي مَالِهِ لَا فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ.
وَكَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَدَلَّ أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ لَهُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ ثَوَابَ نَفَقَةِ الْحَجِّ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ مَقَامَ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ نَظَرًا لَهُ وَمَرْحَمَةً عَلَيْهِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ حَيْثُ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حُجِّي عَنْ أَبِيك» أَمَرَهَا بِالْحَجِّ عَنْ أَبِيهَا.
وَلَوْلَا أَنَّ حَجَّهَا يَقَعُ عَنْ أَبِيهَا لَمَا أَمَرَهَا بِالْحَجِّ عَنْهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاسَ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِدَيْنِ الْعِبَادِ بِقَوْلِهِ «أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ؟» وَذَلِكَ تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَابَةُ وَيَقُومُ فِعْلُ النَّائِبِ مَقَامَ فِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ كَذَا هَذَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَاجَّ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَذَا الْإِحْرَامُ، وَلَوْ لَمْ يَقَعْ نَفْسُ الْحَجِّ عَنْهُ لَكَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ النِّيَابَةِ فَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ عَاجِزًا عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَلَهُ مَالٌ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ صَحِيحَ الْبَدَنِ وَلَهُ مَالٌ لَا يَجُوزُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ بِبَدَنِهِ وَلَهُ مَالٌ، فَالْفَرْضُ يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ لَا بِمَالِهِ، بَلْ الْمَالُ يَكُونُ شَرْطًا وَإِذَا تَعَلَّقَ الْفَرْضُ بِبَدَنِهِ لَا تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَابَةُ كَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ.
وَكَذَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا صَحِيحَ الْبَدَنِ لَا يَجُوزُ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَصْلًا فَلَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَا وَاجِبَ.
وَمِنْهَا: الْعَجْزُ الْمُسْتَدَامُ مِنْ وَقْتِ الْإِحْجَاجِ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، فَإِنْ زَالَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَجُزْ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ حَجِّ الْغَيْرِ عَنْ الْغَيْرِ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَيَتَقَيَّدُ الْجَوَازُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْمَرِيضُ أَوْ الْمَحْبُوسُ إذَا أَحَجَّ عَنْهُ أَنَّ جَوَازَهُ مَوْقُوفٌ إنْ مَاتَ- وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَحْبُوسٌ- جَازَ وَإِنْ زَالَ الْمَرَضُ أَوْ الْحَبْسُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَجُزْ وَالْإِحْجَاجُ مِنْ الزَّمِنِ وَالْأَعْمَى عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَةَ وَالْعَمَى لَا يُرْجَى زَوَالُهُمَا عَادَةً فَوُجِدَ الشَّرْطُ- وَهُوَ الْعَجْزُ الْمُسْتَدَامُ- إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَمِنْهَا: الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ حَجُّ الْغَيْرِ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ، وَالنِّيَابَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْأَمْرِ إلَّا الْوَارِثَ يَحُجُّ عَنْ مُوَرِّثِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّصِّ، وَلِوُجُودِ الْأَمْرِ هُنَاكَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا نَذْكُرُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى-، وَمِنْهَا: نِيَّةُ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَحُجُّ عَنْهُ لَا عَنْ نَفْسِهِ، فلابد مِنْ نِيَّتِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ كَمَا إذَا حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ حَجُّ الْمَأْمُورِ بِمَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَإِنْ تَطَوَّعَ الْحَاجُّ عَنْهُ بِمَالِ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ حَتَّى يَحُجَّ بِمَالِهِ.
وَكَذَا إذَا كَانَ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ وَمَاتَ، فَتَطَوَّعَ عَنْهُ وَارِثُهُ بِمَالِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ فَإِذَا لَمْ يَحُجَّ بِمَالِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْفَرْضُ؛ وَلِأَنَّ مَذْهَبَ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ لِلْحَاجِّ، وَإِنَّمَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، فَإِذَا لَمْ يُنْفِقْ مِنْ مَالِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ رَأْسًا، وَمِنْهَا: الْحَجُّ رَاكِبًا حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَحَجَّ مَاشِيًا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَيَحُجُّ عَنْهُ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ عَلَيْهِ هُوَ الْحَجُّ رَاكِبًا فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ إلَيْهِ فَإِذَا حَجَّ مَاشِيًا فَقَدْ خَالَفَ فَيَضْمَنُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَاجُّ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ كَانَ صَرُورَةً أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ حَجُّ الصَّرُورَةِ عَنْ غَيْرِهِ وَيَقَعُ حَجُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ شُبْرُمَةُ؟ فَقَالَ: أَخٌ لِي أَوْ صَدِيقٌ لِي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَجَجْت عَنْ نَفْسِك؟ فَقَالَ: لَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ لَمْ يَكُنْ لِسُؤَالِهِ مَعْنًى، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ أَوَّلًا ثُمَّ عَنْ شُبْرُمَةَ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَجُّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ حَجَّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَحَجُّهُ عَنْ غَيْرِهِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَلَنَا حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا حُجِّي عَنْ أَبِيك، وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَنَّهَا كَانَتْ حَجَّتْ عَنْ نَفْسِهَا أَوْ كَانَتْ صَرُورَةً.
وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ لَاسْتَفْسَرَ؛ وَلِأَنَّ الْأَدَاءَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجِبْ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَالْوَقْت كَمَا يَصْلُحُ لِحَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ يَصْلُحُ لِحَجِّهِ عَنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا عَيَّنَهُ لِحَجِّهِ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الصَّرُورَةَ إذَا حَجَّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْفَرْضِ بَلْ يَقْبَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، فَإِذَا عَيَّنَهُ لِلنَّفْلِ تَعَيَّنَ لَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ إطْلَاقِ النِّيَّةِ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِوُجُودِ نِيَّةِ الْفَرْضِ بِدَلَالَةِ حَالِهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ النَّفَلَ، وَعَلَيْهِ الْفَرْضُ فَانْصَرَفَ الْمُطْلَقُ إلَى الْمُقَيَّدِ بِدَلَالَةِ حَالِهِ لَكِنْ الدَّلَالَةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ بِخِلَافِهَا فَإِذَا نَوَى التَّطَوُّعَ، فَقَدْ وُجِدَ النَّصُّ بِخِلَافِهَا فَلَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ يَصِيرُ تَارِكًا إسْقَاطَ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَتَمَكَّنُ فِي هَذَا الْإِحْجَاجِ ضَرْبُ كَرَاهَةٍ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَجَّ مَرَّةً كَانَ أَعْرَفَ بِالْمَنَاسِكِ.
وَكَذَا هُوَ أَبْعَدُ عَنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ فَكَانَ أَفْضَلَ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِحَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ.
وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي حَجِّهَا ضَرْبُ نُقْصَانٍ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَوْفِي سُنَنَ الْحَجِّ فَإِنَّهَا لَا تَرْمُلُ فِي الطَّوَافِ وَفِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَحْلِقُ، وَسَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَكِنَّهُ يُكْرَهُ إحْجَاجُ الْعَبْدِ أَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِالنِّيَابَةِ، وَمَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ كَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا.
وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ فَيُكْرَهُ أَدَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَصِيرُ بِهِ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مُخَالِفًا، وَبَيَانُ حُكْمِهِ إذَا خَالَفَ فَنَقُولُ: إذَا أَمَرَ بِحَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ فَقَرَنَ فَهُوَ مُخَالِفٌ ضَامِنٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُجْزِي ذَلِكَ عَنْ الْآمِرِ نَسْتَحْسِنُ وَنَدَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ، وَلَا يَضْمَنُ فِيهِ دَمَ الْقِرَانِ عَلَى الْحَاجِّ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَزَادَ خَيْرًا فَكَانَ مَأْذُونًا فِي الزِّيَادَةِ دَلَالَةً، فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا كَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اشْتَرِ لِي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يَجُوزُ، وَيُنَفِّذُ عَلَى الْآمِرِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ إذَا قَرَنَ بِإِذْنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَانَ الدَّمُ عَلَى الْحَاجِّ لِمَا نَذْكُرُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِسَفَرٍ يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ لَا غَيْرُ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ فَضَمِنَ.
وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَاعْتَمَرَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ وَلَوْ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ فِي قَوْلِهِمْ؛ جَمِيعًا لِأَمْرِهِ بِهِ بِالْحَجِّ، بِسَفَرٍ وَقَدْ أَتَى بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ سَفَرَهُ الْأَوَّلَ إلَى الْعُمْرَةِ، فَكَانَ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ.
وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ عَنْهُ فَجَمَعَ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَنْهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَحَجَّ عَنْهُ وَاعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ صَارَ مُخَالِفًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْسِمُ النَّفَقَةَ عَلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَيَطْرَحُ عَنْ الْحَجِّ مَا أَصَابَ الْعُمْرَةَ، وَيَجُوزُ مَا أَصَابَ الْحَجَّ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَأْمُورَ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ- وَهُوَ الْحَجُّ- عَنْ الْآمِرِ وَزَادَهُ إحْسَانًا حَيْثُ أَسْقَطَ عَنْهُ بَعْضَ النَّفَقَةِ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ كُلِّ السَّفَرِ إلَى الْحَجِّ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بِالسَّفَرِ حَجًّا عَنْ الْآمِرِ وَعُمْرَةً عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُخَالِفًا وَبِهِ تُبُيِّنَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَقَوْلُهُ: (أَنَّهُ أَحْسَنَ إلَيْهِ حَيْثُ أَسْقَطَ عَنْهُ بَعْضَ النَّفَقَةِ) غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْآمِرِ فِي الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ هُوَ ثَوَابُ النَّفَقَةِ فَإِسْقَاطُهُ لَا يَكُونُ إحْسَانًا، بَلْ يَكُونُ إسَاءَةً وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَاعْتَمَرَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ بِالسَّفَرِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَجَّ فَاشْتِغَالُهُ بِهِ كَاشْتِغَالِهِ بِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنَّ النَّفَقَةَ مِقْدَارُ مَقَامِهِ لِلْحَجِّ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي الرُّقَيَّاتِ إذَا حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ وَطَافَ لِحَجِّهِ وَسَعَى ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِ عُمْرَةً عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةُ الرَّفْضِ؛ لِوُقُوعِهَا عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْقِرَانِ، فَكَانَ وُجُودُهَا وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَلَوْ كَانَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِهِمَا ثُمَّ لَمْ يَطُفْ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَرَفَضَ الْعُمْرَةَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُخَالِفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِهِمَا جَمِيعًا فَقَدْ صَارَ مُخَالِفًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَوَقَعَتْ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُحْتَمَلُ التَّغْيِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ.
`
وَلَوْ أَمَرَهُ رَجُلٌ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً وَأَمَرَهُ رَجُلٌ آخَرُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ فَهَذَا لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:.
إمَّا إنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِمَّا إنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا فَهُوَ مُخَالِفٌ، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْهُ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا إنْ كَانَ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَهُ بِحَجٍّ تَامٍّ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَصَارَ مُخَالِفًا لِأَمْرِهِمَا فَلَمْ يَقَعْ حَجُّهُ عَنْهُمَا فَيَضْمَنُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَرْضَ بِإِنْفَاقِ مَالِهِ فَيَضْمَنُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْحَاجِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَقَعَ كُلُّ فِعْلٍ عَنْ فَاعِلِهِ.
وَإِنَّمَا يَقَعُ لِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ، فَإِذَا خَالَفَ لَمْ يَصِرْ لِغَيْرِهِ فَبَقِيَ فِعْلُهُ لَهُ.
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الِابْنِ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الِابْنَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِالْحَجِّ عَنْ الْأَبَوَيْنِ فَلَا تَتَحَقَّقُ مُخَالَفَةُ الْآمِرِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ ثَوَابَ الْحَجِّ الْوَاقِعِ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَبَوَيْهِ، وَكَانَ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُمَا ثُمَّ نَقَضَ عَزْمَهُ وَجَعَلَهُ لِأَحَدِهِمَا وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ مُتَصَرِّفٌ بِحُكْمِ الْآمِرِ، وَقَدْ خَالَفَ أَمْرَهُمَا فَلَا يَقَعُ حَجُّهُ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ أَحْرَمَ لِأَحَدِهِمَا عَيْنًا وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِلْآخَرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا شَاءَ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا الْأَدَاءُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا.
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ خَالَفَ الْأَمْرَ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالْحَجِّ لِمُعَيَّنٍ، وَقَدْ حَجَّ لِمُبْهَمٍ، وَالْمُبْهَمُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَصَارَ مُخَالِفًا وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ الِابْنُ بِالْحَجِّ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِابْنَ فِي حَجِّهِ لِأَبَوَيْهِ لَيْسَ مُتَصَرِّفًا بِحُكْمِ الْآمِرِ حَتَّى يَصِيرَ مُخَالِفًا لِلْآمِرِ بَلْ هُوَ يَحُجُّ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ ثَوَابَ حَجِّهِ لِأَحَدِهِمَا وَذَلِكَ جَائِزٌ.
وَهَاهُنَا بِخِلَافِهِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْ أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْإِحْرَامَ لَيْسَ مِنْ الْأَدَاءِ بَلْ هُوَ شَرْطُ جَوَازِ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَيَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ مُتَصَوَّرٌ بِوَاسِطَةِ التَّعْيِينِ، فَإِذَا جَعَلَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ تَعَيَّنَ لَهُ فَيَقَعُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهَا عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى طَافَ شَوْطًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا لَمْ تَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ تَعَذَّرَ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى قَدْ مَضَى وَانْقَضَى، فَلَا يُتَصَوَّرُ تَعْيِينُهُ فَيَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَصَارَ إحْرَامُهُ وَاقِعًا لَهُ لِاتِّصَالِ الْأَدَاءِ بِهِ.
وَإِنْ أَمَرَهُ أَحَدُهُمَا بِحَجَّةٍ، وَأَمَرَهُ الْآخَرُ بِعُمْرَةٍ فَإِنْ أَذِنَا لَهُ بِالْجَمْعِ- وَهُوَ الْقِرَانُ- فَجَمَعَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِسَفَرٍ يَنْصَرِفُ بَعْضُهُ إلَى الْحَجِّ وَبَعْضُهُ إلَى الْعُمْرَةِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا لَهُ بِالْجَمْعِ فَجَمَعَ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِسَفَرٍ يَنْصَرِفُ كُلُّهُ إلَى الْحَجِّ، وَقَدْ صَرَفَهُ إلَى: الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَصَارَ مُخَالِفًا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَاعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ.
وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ مَاشِيًا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَجِّ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ الْمُتَعَارَفِ فِي الشَّرْعِ- وَهُوَ الْحَجُّ رَاكِبًا- لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِذَلِكَ، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَإِذَا حَجَّ مَاشِيًا فَقَدْ خَالَفَ فَيَضْمَنُ لِمَا قُلْنَا، وَلِأَنَّ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْآمِرِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ هُوَ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، وَالنَّفَقَةُ فِي الرُّكُوبِ أَكْثَرُ فَكَانَ الثَّوَابُ فِيهِ أَوْفَرَ؛ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ حَجَّ عَلَى حِمَارٍ كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ، وَالْجَمَلُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي رُكُوبِ الْجَمَلِ أَكْثَرُ فَكَانَ حُصُولُ الْمَقْصُودِ فِيهِ أَكْمَلَ فَكَانَ أَوْلَى.
وَإِذَا فَعَلَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مَا يُوجِبُ الدَّمَ أَوْ غَيْرَهُ فَهُوَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَرَنَ عَنْ الْآمِرِ بِأَمْرِهِ فَدَمُ الْقِرَانِ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ الدِّمَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِحْرَامِ فِي مَالِ الْحَاجِّ إلَّا دَمَ الْإِحْصَارِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ دَمُ الْإِحْصَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ وَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ.
وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ عَلَى الْحَاجِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا مَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ؛ فَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَنَى، فَكَانَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ وَلِأَنَّهُ أُمِرَ بِحَجٍّ خَالٍ عَنْ الْجِنَايَةِ، فَإِذَا جَنَى فَقَدْ خَالَفَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْخِلَافِ.
وَأَمَّا دَمُ الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ شُكْرًا، وَسَائِرُ أَفْعَالِ النُّسُكِ، عَلَى الْحَاجِّ فَكَذَا هَذَا النُّسُكُ وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَلِأَنَّ الْمَحْجُوجَ عَنْهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ وَالْمُؤْنَةِ، وَذَلِكَ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا.
، فَإِنْ جَامَعَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَيَمْضِي فِيهِ وَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهِ، وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَمَّا فَسَادُ الْحَجِّ فَلِأَنَّ الْجِمَاعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ لِمَا نَذْكُرُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- فِي مَوْضِعِهِ، وَالْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا.
وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِحَجَّةٍ- صَحِيحَةٍ وَهِيَ الْخَالِيَةُ عَنْ الْجِمَاعِ- وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَصَارَ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ وَمَا بَقِيَ يُنْفِقُ فِيهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ وَقَعَ لَهُ وَيَقْضِي؛ لِأَنَّ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ فَائِتُ الْحَجِّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ- إنْ شَاءَ اللَّهُ- وَلَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِأَنَّهُ فَاتَهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْخِلَافُ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَعَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّةَ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فَإِذَا فَاتَتْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ.
وَقَالُوا فِيمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ النَّفَقَةَ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحَجِّ لَا بِالْإِحْجَاجِ كَأَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ النَّفَقَةَ.
فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَمَالِ الْآمِرِ يَنْظُرُ، فَإِنْ بَلَغَ مَالُ الْآمِرِ الْكِرَاءَ وَعَامَّةَ النَّفَقَةِ فَالْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَيَكُونُ الْحَجُّ عَنْ نَفْسِهِ وَيَرُدُّ الْمَالَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَعْتَبِرَ الْأَكْثَرَ وَيَجْعَلَ الْأَقَلَّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ وَقَلِيلَ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ مِنْ شَرْبَةِ مَاءٍ، أَوْ قَلِيلِ زَادٍ فَلَوْ اعْتَبَرَ الْقَلِيلَ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ الْآمِرِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْإِحْجَاجِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَيُعْتَبَرُ الْكَثِيرُ.
وَلَوْ أَحَجَّ رَجُلًا يُؤَدِّي الْحَجَّ وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ جَازَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ صَارَ مُؤَدِّيًا بِالْفَرَاغِ عَنْ أَفْعَالِهِ.
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعُودَ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، فَمَهْمَا كَانَتْ النَّفَقَةُ أَكْثَرَ كَانَ الثَّوَابُ أَكْثَرَ وَأَوْفَرَ، وَإِذَا فَرَغَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ مِنْ الْحَجِّ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ قَدْ صَحَّتْ فَصَارَ تَارِكًا لِلسَّفَرِ فَلَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ.
وَلَوْ أَنْفَقَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ أَقَامَ بِهَا أَيَّامًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ إنْ أَقَامَ إقَامَةً مُعْتَادَةً فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ فَالنَّفَقَةُ مِنْ مَالِهِ حَتَّى قَالُوا: إذَا أَقَامَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ، وَإِنْ زَادَ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَقَالُوا فِي الْخُرَاسَانِيِّ: إذَا جَاءَ حَاجًّا عَنْ غَيْرِهِ فَدَخَلَ بَغْدَادَ فَأَقَامَ بِهَا إقَامَةً مُعْتَادَةً مِقْدَارَ مَا يُقِيمُ النَّاسُ بِهَا عَادَةً فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِهِ، وَهَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ زَمَانَ أَمْنٍ يَتَمَكَّنُ الْحَاجُّ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَقَدَّرُوا مُدَّةَ الْإِقَامَةِ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ كَمَا أَذِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ.
فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ لِلْأَفْرَادِ وَالْآحَادِ وَلَا لِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ مَكَّةَ إلَّا مَعَ الْقَافِلَةِ فَمَا دَامَ مُنْتَظِرًا خُرُوجَ الْقَافِلَةِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَكَذَا هَذَا فِي إقَامَتِهِ بِبَغْدَادَ أَنَّهُ مَا دَامَ مُنْتَظِرًا لِخُرُوجِ الْقَافِلَةِ، فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ الْآمِرِ لِتَعَذُّرِ سَبْقِهِ بِالْخُرُوجِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ لِلْهَلَاكِ فَالتَّعْوِيلُ فِي الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ عَلَى ذَهَابِ الْقَافِلَةِ وَإِيَابِهَا.
فَإِنْ نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا حَتَّى سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ تَعُودُ نَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْآمِرِ؟ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ تَعُودُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَعُودُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَعُودُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا فَأَمَّا إذَا اتَّخَذَهَا دَارًا ثُمَّ عَادَ لَا تَعُودُ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْآمِرِ بِلَا خِلَافٍ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَقَدْ انْقَطَعَ حُكْمُ السَّفَرِ فَلَا تَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِقَامَةَ تَرْكُ السَّفَرِ لَا قَطْعُهَا، وَالْمَتْرُوكُ يَعُودُ، فَأَمَّا اتِّخَاذُ مَكَّةَ دَارًا وَالتَّوَطُّنُ بِهَا فَهُوَ قَطْعُ السَّفَرِ، وَالْمُنْقَطِعُ لَا يَعُودُ.
وَلَوْ تَعَجَّلَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لِيَكُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ، فَدَخَلَ مُحْرِمًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ إلَى عَشْرِ الْأَضْحَى فَإِذَا جَاءَ عَشْرُ الْأَضْحَى أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ كَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدْخُلُهَا النَّاسُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ غَالِبًا، فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْإِقَامَةُ مَأْذُونًا فِيهَا كَالْإِقَامَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعْتَادِ، وَلَا يَكُونُ بِمَا عَجَّلَ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ الْآمِرَ مَا عَيَّنَّ لَهُ وَقْتًا.
، وَالتِّجَارَةُ وَالْإِجَارَةُ لَا يَمْنَعَانِ جَوَازَ الْحَجِّ، وَيَجُوزُ حَجُّ التَّاجِرِ وَالْأَجِيرِ وَالْمُكَارِي، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} قِيلَ: الْفَضْلُ التِّجَارَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ امْتَنَعَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ عَنْ التِّجَارَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ حَجَّهُمْ، فَرَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ طَلَبَ الْفَضْلِ فِي الْحَجِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَرُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إنَّا قَوْمٌ نُكْرَى، وَنَزْعُمُ أَنَّ لَيْسَ لَنَا حَجٌّ فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تُحْرِمُونَ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَأَنْتُمْ حُجَّاجٌ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}»؛ وَلِأَنَّ التِّجَارَةَ وَالْإِجَارَةَ لَا يَمْنَعَانِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَشَرَائِطِهَا، فَلَا يَمْنَعَانِ مِنْ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.